مقال
لقد تغير كل شيئ فى السودان ولم تعد هنالك اطروحات جامعة لكل الوان الطيف ولم تعد هناك نمذجة سياسية حقيقة او نهضة تنموية او طفرة اقتصادية كل ما هو موجود العنف المتكرر و النزاعات الاثنية و الحرب الجهوية و الإقصاء و الاستعلاء و التطاول على الاخر و إرهاب الدولة و الاحتقان و الغبن و الجوع وانتهاكات حقوق الإنسان و التهميج و الترويع و التهميش و التقزيم إذ ان كل الحقب التى مضت كانت غارقة فى وضع آسن ووحل متواصل
مقال
ومؤشر البوصلة الوطنية أصبح لايعنيه الاتجاه الجغرافي الموحد بقدر ما ان اختلاج الفكرة الأحادية المشوشة و المرتبكة ما بين مفردات التركيبة السودانية نفسها وغريزة السيطرة و الذاكرة السياسية السودانية المدقعة و الإفلاس الجهوى والتشرذم الايدلوجى والفقر المستمر هي مكونات والاحباطات الراهنة و التى أربكت الوطن بفجاجة وسفور فالسياسة السودانية أضحت وكأنها إفراز من إفرازات الميثولوجيا البدائية و الفنتازيا و الوهم المستفحل فالرؤية التصحيحية لم تعد مغرية ولم تعد جذابة لأحد و التمسك بها أمر مقرف ومنفر فعقل الدولة الاخلاقى فى تخبط مستمر وتضعضع وتهلهل وابستومولوجيا الواقع الانى منقادة بشكل مؤدلج تارة وتارة اخرى غارقة فى تفسيرات السودنة القاصرة وتفعيل معناها ودلالاتها بتحيز جهوى انتقائي وتشخيص الحالة الكلية بنفس السلطة و الشمولية لنقد العقل الاخلاقى والإصرار فيما بعد بان الوطن معافى , هذه جدلية مكشوفة ومفضوحة حتى فى متونها وأضابيرها ولا تنطلي مسوقاتها على احد خاصة بعدما انقشع التكميم الفكري و تلاشى استغفال الإطراف و الهامش وتسخيرهم للهتاف الى ما لا نهاية .
المطبات الاثنية كمحددات للنسيج السوداني العام و إلا وقعنا فى فخ المحاصصة و اكتناز الفرص باسم القبيلة و الدم و العرق و غيرها من نتوءات العنف و التهميج الجماعي لكن تلك الأمور رغم فجاجتها وفجاعة وقعها أحيانا لا تنفى الخصوصية كبديل لحالة الانعزالية فالشراكة مطلب للجميع وثقافة الاعتزاز بالأصالة ليست عيبا بقدر ما ان التربة التى تنمو عليها هي الامتحان العسير لذا لابد من مراجعة الثقافة السلوكية السياسية لدى الساسة ومروجي الفكر التربوي التحرري والتنظير لفكرة التخلص من القديم بفهم تصحيح التاريخ وإعادة كتابة التاريخ بشكل لايحرم الجميع من أبجدية وجودهم وحقهم ونضالهم ومجدهم وارثهم الناصع والإيمان بوجود الخصوصية الثقافية و الاجتماعية والدينية و الفكرية وغيرها من سمات و محددات ومميزات الشخصية السودانية المفترض ان تكون عليه .
اما اذا ما أصر الساسة والمترفين وغيرهم من رضعوا سرا وجهرا من لب هذا الوطن فالمهمة ستكون صعبة وإذا ما تأملنا الأوضاع السودانية الخاصة بحيثياتها وفسيفسائياتها لوجدنا ان البحث عن دور وطني جماعي فى رحاب القبيلة او الحزب المفرد والاحادى غير مفيد وخلق جزر و كنتونات أقلية أو أكثرية تؤدى لربك الأمور وتعقيد قراءة المشهد فالتنوع و التعدد هو المبدأ الذي يجب ان يسود
المحامى/الهادي عجب الدور
Alhadi_agab@yahoo.com
مركز جنوب الصحراء ووسط افريقيا للدراسات.
مقال
لذا المسارات القادمة لابد ان تكون مضبوطة وفقا للفهم العام لمعنى الوطن والاعتراف بخصوصية الوطن و المواطنة نفسها والإقرار صراحة بأنها حق وليست هبة سلطانية و ان الطرق القديمة الملتوية و الهرولة باسم المجموع الطوياوى لحصاد اكبر فرص من الفشل وتوريط السودان فى دائرة المحظور الممل او الردة الحضارية و نعت الآخرين بالتخلف و التقوقع لم تعد تفيد فالجميع يحلمون مثلما يحلم الساسة الذين عودونا البكاء باسم الوطن و الترانيم الحزينة و الهزيلة والانكفاء للوراء والبحث عن ريادة جديدة فى كل الولائم ليقتات اهل الأطراف فتات الموائد والسير وفق معية السلطان و الانحراف عن مسارهم يكنزون الدموع حسرات ثم يتضورون فى نهاية المطاف على أبواب المترفين يترجلون للبحث عن هوية وحق مهضوم ,ومهما يكن فالناس فى وطني لم يعودوا قطيع ولم يعودوا منقادين للأبد فقد انتهى عهد السقف المغلق والسياج المحكم و الدوائر الحمراء فمن اجل نيل الحق ليس هنالك خط احمر ولا عرف للقبيلة ولا مجد للسلطان فلابد من وعى جديد ولابد من مخاض جديد و ولادة مفاهيم جديدة وجدية تساهم فى البناء السوداني الجديد واعتماد مبدأ المواطنة هو الأساس و إدانة التجربة السياسية السودانية الماضية خاصة المرتبطة بالعسكر و الشمولية ومحاولة إيجاد بدائل منطقية وموضوعية ومحورية للجميع تعيد للجميع حقوقهم وتقويم مسارات الديمقراطيات العشائرية و الطائفية و عدم التمسك بالانحدارات الجهوية